فصل: الفتنة بدمشق.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية جعفر بن يحيى مصر.

كان موسى بن عيسى قد ولاه الرشيد مصر فبلغه أنه عازم على الخلع فرد أمرها إلى جعفر بن يحيى وأمره بإحضار عمر بن مهران وأن يوليه عليها وكان أحول مشوه الخلق خامل البزة يردف غلامه خلفه فلما ذكرت له الولاية قال على شرطية أن يكون أمري إذا صلحت البلاد انصرفت فأجابه إلى ذلك وسار مصر وأتى مجلس موسى فجلس في أخريات الناس حتى إذا افترقوا رفع الكتاب إلى موسى فقرأه وقال: متى يقدم أبو حفص؟ فقال: أنا أبو حفص! فقال موسى: لعن الله فرعون حيث قال: أليس لي ملك مصر ثم سلم له العمل فتقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبل من الهدية إلا ما يدخل في الكيس فبعث الناس بهداياهم وكانوا يمطلون بالخراج فلكا حضر النجم الأول والثاني وشكوا الضيق في الثالث أحضر الهدايا وحسبها لأربابها واستوفى خراج مصر ورجع إلى بغداد.

.الفتنة بدمشق.

وفي هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية ورأس المضرية أبو الهيدام عامر بن عمارة من ولد خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري وكان أصل الفتنة بين القيس وبين اليمانية قتلوا منهم رجلا فاجتمعوا لثأره وكان على دمشق عبد الصمد بن علي فجمع كبار العشائر ليصلحوا بينهم فأمهلتهم اليمانية وبيتوا المضرية فقتلوا ثلثمائة أو ضعفها فاستجاشوا بقبائل قضاعة وسليم فلم ينجدوهم وأنجدتهم قيس وساروا معهم إلى البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمانمائة وطال الحرب بينهم وعزل عبد الصمد عن دمشق وولى مكانه إبراهيم بن صالح بن علي ثم اصطلحوا بعد سنين ووفد إبراهيم على الرشيد وكان هواه مع اليمانية فوقع في قيس عند الرشيد واعتذر عنهم عبد الواحد بن بشر واستحلف إبراهيم على دمشق ابنه إسحق فحبس جماعة من قيس وضربهم ثم وثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسي فقتلوه واستنجد أخوه بالدواقيل من حوران فأنجدوه وقتلوا من اليمانية نفرا ثم وثبت اليمانية بكليب بن عمر بن الجنيد بن عبد الرحمن وعنده ضيف له فقتلوهم فجاءت أم الغلام سابة إلى أبي الهيدام فقال انظريني حتى ترفع دماؤنا إلى الأمير فإن نظر فيها وإلا فأمير المؤمنين ينظر فيها وبلغ ذلك إسحق وحضر عنده أبو الهيدام فلم يأذن له ثم قتل بعض الدواقيل رجلا من اليمانية وقتلت اليمانية رجلا من سليم ونهبوا جيران محارب وركب أبو الهيدام معهم إلى إسحق فوعده بالنظر لهم وبعث إلى اليمانية يغريهم به فاجتمعوا وأتوا إلى باب الجابية فخرج إليهم أبو الهيدام وهزمهم واستولى على دمشق وفتح السجون ثم اجتمعت اليمانية واستنجدوا كلبا وغيرهم فاستمدوهم واستجاش أبو الهيدام المضرية فجاؤه وهو يقاتل اليمانية عند باب توما فهزمهم أربع مرات ثم أمره إسحق بالكف وبعث إلى اليمانية يخبرهم بغرته وجاء الخبر وركب وقاتلهم فهزمهم ثم هزمهم أخرى على باب توما ثم جمعت اليمانية أهل الأردن والجولان من كلب وغيرهم فأرسل من يأتيه بالخبر فأبطؤا ودخل المدينة فأرسل إسحق من دلهم على مكمنه وأمرهم بالعبور إلى المدينة فبعث من أصحابه من يأتيهم من ورائهم فانهزموا ولما كان مستهل صفر جمع إسحق الجنود عند قصر الحجاج وجاء أصحاب الهيدام من أراد نهب القرى التي لهم بنواحي دمشق ثم سألوا الأمان من أبي الهيدام فأمنهم وسكن الناس وفرق أبو الهيدام أصحابه وبقي في نفر يسير من أهل دمشق فطمع فيه إسحق وسلط عليه العذافر السكسكي مع الجنود فقاتلهم العذافر وبقي الجند يحاربونه ثلاثا ثم إن إسحق قاتله في الثالثة والجند في اثنتي عشر ألفا ومعهم اليمانية فخرج أبو الهيدام من المدينة وقاتلهم على باب الجابية حتى أزلهم عنه ثم أغار جمع من أهل حمص على قرية لأبي الهيدام فقاتلهم أصحابه وهزموهم وقتلوا منهم خلقا وأحرقوا قرى وديارا لليمانية في الغوطة ثم توادعوا سبعين يوما أو نحوها وقدم السندي في الجنود من قبل الرشيد وأغزته اليمانية بأبي الهيدام فبعث هو إليه بالطاعة فأقبل السندي إلى دمشق وإسحق بدار الحجاج وبعث قائده في ثلاثة آلاف وأخرج إليهم أبو الهيدام ألفا وأحجم القائد عنهم ورجع إلى السندي فصالح أبا الهيدام وأمن أهل دمشق وسار أبو الهيدام إلى حوران وأقام السندي بدمشق ثلاثا وقدم موسى بن عيسى واليا عليها فبعث الجند يأتونه بأبي الهيدام فكسبوا داره وقاتلهم هو وابنه وعبده فانهزموا وجاء أصحابه من كل جهة وقصد بصرى ثم بعث إليه موسى فسار إليه في رمضان سنة سبع وسبعين وقيل إن سبب الفتنة بدمشق أن عامل الرشيد بسجستان قتل أخا الهيدام فخرج هو بالشام وجمع الجموع ثم بعث الرشيد أخا له ليأتيه به فتحيل حتى قبض عليه وشده وثاقا وأتى به إلى الرشيد فمن عليه وأطلقه وبعث جعفر ابن يحيى سنة ثمانين إلى الشام من أجل هذه الفتن والعصبية فسكن الثائرة وأمن البلاد وعاد.